الخميس، 5 ديسمبر 2019

قصة "البرص"، من مجموعة "ست زوايا للصلاة"، الفائزة بمنحة آفاق للكتابة الإبداعية والنقدية، منشورة في مجلة الهلال.





البُرْص



هناك، حيث يسكن سلطان، مفترق طرق. وساقية مهجورة يعيش في بطنها، مع الجرذان والأفاعي، وجنيّة تدلِّك ظَهرَه كل مساء. قبل عشرين عاما سكن الساقية عفريت من الجن، سلسلها بماء مَهِين، تسرَّب إلى الأراضي الزراعية، فدعى الجراد إليها. ولم تفلح محاولات أهل القرى في صدِّهم، كانوا يشعلون النار في البراميل والأطباق البلاستيكية الكبيرة، ويهببون السماء بالدخان والروائح العفنة، يشعلون الشابة والفاسوخ، وينثرون الشيح في الشوارع وعلى الجدران، ولم يقترب أحد من الساقية المهجورة من بعدها، لكن الجراد مأمور؛ أكلها، وحولها لعانس وهبت نفسها للعفاريت. الجنيّ الأول أنجب امرأة، عاشت في الساقية، يقول أهل البلدة إن سلطان يضاجعها كل ليلة، وتهبه من سحرها فيغفل الناس عن وجهه المطبق القبيح، وعينيه الجاحظتين. الشوارع التي ذوبها لم تنظر لوجهه، لم تخبئه بين أشجارها وعششها، ولم تناوله النساء شربة ماء. كل نهار، يتسلق سَلَبَةً طويلة، يزيل العماص من عيني الشمس، يركب دراجته، ويحمل أمامه مِسَنًّا صغيرًا، يهيم في البلاد، يسنُّ السكينَ ويسِنُّ المقصَّ.
  وهناك في بيت نيّء مظلم، تمسك الجدة سكينًا، بينما تقف صغيرتها الخائبة في الركن، تخاف أن تذبح بطة سوداء وضعت الفول المبلول في حلقها على مدار شهر. الجدة تلوِّح بالسكين في وجه الفتاة، تحذرها: "اليوم هو موسم البط، ولن أدعك تأكلين نسيرة منها إلا إذا أمسكتِ رقبتَها، وستبقين مسمومة، ولن يقترب أحد من باب البيت لخطبتك". وارتفع نداء سلطان المبحوح فوضعت الأم السكين في يد ابنتها، وأمرتها أن تخرج من البيت، وتلاحق هذا الولد، ولا تعود إلى البيت والسكين ثلمة. جلست الأم مع حماتها، والبطة مقيدة من رجليها، في حوش صغير، تنتظران عودة الفتاة.
  كانت خائفة، تسمع حكايات كثيرة عن هذا الرجل، يقولون إن الجنية تحمله على جناحيها، وتطوف به القرى والبلدان، يسرق الأطفال في شوال على ظهره، لتأكلهم في الساقية المهجورة. يقولون إنها حامل بولد، رآها أحدهم – قبل أن يموت على يدها- تجلس ببطنها الكبير، تلعق سكاكين سلطان، ولم يعرفوا من أين وصلهم الخبر. يا للقرف، قالتها الفتاة، وهي تنظر إليه، يؤذن في الناس فتخرج النساء من بيوتها، ويترك الجزارون المسنون دكاكينهم، ويلهثون وراء مِسَنِّ هذا الولد. التفَّ حشد الناس حوله، وكان العدد يزداد مع مرور الوقت، وهي واقفة في مكانها، تخاف أن تقترب. ترى سلطان يمسك سكينًا، ويقربه من وجهه، يوشوشه بكلمات غريبة، كأنها تعويذة، ثم يقبِّله ويضعه على المسن، ويدير العجلة، فيبدأ القرص في اللف، وتبدأ شرارة صغيرة تهرب من تحت يديه، كأن السكين يئن، يضغط على نصله، فيخرجه عريسًا، حادًا، يسرق رقاب الدواب والطيور، رحيمًا، لا يؤذي إنسيا. في هذه اللحظة، شعر سلطان بنفخة ساخنة في أذنه، توجهه إلى حائط بالقرب منه. ورأى برصًا يركب طائرة مرسومة على الحائط، ومتجهة إلى بيت الله الحرام. حدَّق سلطان في الحائط، ورفع السكين من على القرص، راقب البرص وهو يلهو، من طائرة لسفينة، يمشي على حروف الآيات القرآنية المكتوبة على الحائط، يقفز على الكعبة، وعلى رؤوس الحُجَّاج، ثم إلى مقام إبراهيم. هنا، يعدو سلطان وراءه، يحاوطه بالسكاكين، ويترك الحشد. تتبعه الفتاة المذعورة بسكينها، تختبئ بالقرب منه، فتراه يقترب من البرص، ومن السكين المغروس في ذيله، ثم يمسكه من رأسه ومن ذيله، يوشوشه، تقترب منه الفتاة، وتسمعه "أخيرًا وقعت يا جبان!".
لم يتوقع أحد ما فعله سلطان، ولم يفترق الحشد عندما رآه لاهثًا، فرحًا، يضع البرص في قنينة زجاجية، أخرجها من كيس مصرور، ويأخذ الدراجة ويترك الحشد والسكاكين، ويعود إلى الساقية المهجورة. الفتاة بكت جوار الجدار، كانت ترتعد تمامًا وتفكر ماذا ستفعل جدتها بها، ومن أين سيأتي العرسان لها، ربما تحرمها من الطعام أو المصروف، أو تمنعها عن لعب الغلاء بالخارج، وربما تلقي بها في نار الفرن الطيني، حيث تجلس دومًا، وتبصر نساء الجن. قررت أن تعدو وراء سلطان، رغم خوفها من عضته ومن الجنية الجائعة. وفي الطريق، حمل سلطان البرص حول رقبته. كان يحرص أن يكون قريبًا منه، يريد أن يعرف، أين اختبأ كل تلك السنوات. هل هاجر إلى بلاد بعيدة، واختبأ في لحاء الأشجار. لكن السؤال الذي حيره لم يكن بسيطًا، من أين أتى بهذه الشجاعة، ولماذا فعل ذلك؟ لم يرد البرص على سلطان رغم تكراره للأسئلة، وفي النهاية وعده بالأمان، ولم يكن صادقًا.
  توقَّف ليقضيَ حاجتَه أسفل شجرة، ورأى ظل الفتاة يطارده، اقترب منها، فأشهرت السكين في وجهه. تشعر بالرعب، ويشعر بالتوجس. شم سكينها وعرف أنها باردة. قالت إن جدتها ستعاقبها. خمس دقائق يسن السكين ويكلم البرص، والفتاة يزرق جفنها من الخوف.
"ألم تعرفيه؟"
قالت: مجرد برص.
رد عليها غاضبًا " ليس مجرد برص، بل برص إبراهيم، ظل خالدًا طوال تلك السنين، ظل هاربًا، ووقع في يدي!"
خطفت الفتاة سكينها وركضت نحو البيت. مستها الحمى ثلاث ليال، ظلت تهلوس: البرص الذي نفخ النار على سيدنا إبراهيم معه في الساقية المهجورة، اقتلوه، أنا خائفة يا أمي. الجدة تسمع كلام الفتاة، وتقرر أن تخرج بنفسها لهذا البرص، وتعرف ماذا فعل بحفيدتها. هناك تحت الشجرة، تسمع صوته المبحوح، تخرج بجلباب أسود، ورأس معصوب. توقف سلطان، وتسأله عما فعل بحفيدتها. يرد عليها قائلًا "الفتاة رأت، ولم تكذب قلبها!". ثم أخرج القنينةَ من الكيس المصرور حول رقبته، وأراه لجدتها، فاحمر وجهها غضبًا، ولطشت القنينة وأوقعتها على الأرض. صرخ فتجمع الناس حولهما. قال لهم إنه البرص الملعون، أمسك به بعد سنوات طويلة اختبأ فيها من البشر. بينما حمل أحفاده خطيئته، فالتصقوا بالأحذية والجدران، وهرست ذيولهم وتناثرت دماؤهم بين البشر. صاح فيه الناس، "يا مجنون!". لم يصدقه أحد، إلا رجل بلحية سوداء، سرق القنينة الزجاجية، وحاول أن يكسرها، ليقتل البرص. لكن سلطان قاتل، قفز على الرجل ولكمه في جسده، عضّه من أذنه، فتسربت الدماء على خده، بينما نهضت الفتاة، وشاهدت ما حدث من سطح بيتها.
  ظل سلطان يحوم حول القرى، يسن السكاكين، ويعرِّف الناس على البرص. وظل الناس ينعتونه بالجنون، ولم يسلم من الرجل ذي اللحية السوداء؛ ظل يطارده من بلدة إلى أخرى، ومن حفرة إلى دحديرة، يحاول قتل البرص. وفي يوم، لم ير الرجل القنينة الزجاجية معلقة حول رقبة سلطان، خمن أنها في الساقية المهجورة. فكِّر كثيرا، وقرر أن  يتسلل إليها وقت الظهيرة، حيث يختبئ الناس من لسعة الشمس. حزَّم نفسه بجلبابه، تمسك بالسَّلَبَة ونزل إلى بطنها. وهناك وجد الجنية بانتظاره، وعاد إلى الناس درويشا، يسكن المقامات والمقابر، ويدعو الناس للإيمان.
  انتشرت الأقاويل في البلاد، وتزايدت الوفود إلى الساقية المهجورة، ليتشاوروا في أمر البرص. كانت ليلة جمعة، هلالها بازخ، ينير الأرض مع مشاعل الحشد الكبير. خرج سلطان مع البرص أخيرًا، انتظر الناس خروج الجنية، فلم تخرج. وتزينت في مرآتها بانتظار سيدها. ارتفعت صرخات الناس. طالبوا بقتل البرص والثأر لسيدنا إبراهيم. قال أحد الرجال: "إذا تركناه يمرح في الأرض سيكون إبليسَ جديدًا"، وقال آخر: "لو قتلناه نأخذ حسناتِ كافيةَ فندخل الجنة"، وقال شاب صغير: "نعصره ونعالج الأكمْهَ والأبرص". صاح سلطان فيهم: "ولماذا لا نحاكمه، ربما يمتلك حجة، أريد أن أعرف لماذا فعل ذلك". انتشر الهرج بينهم، وانهالت الشباشب على رأسه من كل اتجاه. حتى جاء الدرويش يخترق الصفوف، ومعه الفتاة الصغيرة وجدتها، فهدأ الحشد وترقَّب. وخرج النور من فم الفتاة: "أشعل البشعة.. قضي الأمر".
أشعل الناس النار وجلسوا في الصفوف. بينما دفن الدرويش طاسة البشعة في النار، وكتب في ورقة صغيرة الجريمة التي ارتكبها هذا البرص، ثم دفنها كالحصاة بالقرب من الموقد. كان سلطان شاردًا، ينظر في عيني البرص فيرى ألسنة النار تعلو، مع نفخة الكير. كان أبوه حدادًا، لكن باب الحداد مخلع، من أجل ذلك أخذه إلى المعلم حافظ، ورآه سلطان يدق على الحديد، يلينه ويشكله مثلما يشاء كقطعة طين. تعلَّم الحدادة على أصولها، كيف يصنع البواباتِ والنوافذَ بأشكال جديدة، كان بارعًا، وكان يحب الرسم وخرط الحديد. لم ينس عندما رأى "سكينة"، ابنة المعلم، للمرة الأولى، كبّت الشاي في حجره وركضت إلى الخارج. ولم ينسَ حين طلبت من أبيها يدا جديدة للهون، فرجع إلى عشته القديمة، وجلس أمام المنفاخ والمطرقة، أشعل النار من أجل عينيها، وظل ينفخ فيها. صنع عروسًا تشبهها وأهداها إليها في الصباح. رأى أبوها اليد فاشتعل غيظًا، واعتقد أنه يشاغلها. أمسك يد الهون ودغدغ بها رأسه وطرده من البلدة. وظل يردد بصوت ساخط "اذهب أيها البرص". سلَّط عليه طوب الأرض، الكلابَ والشمامين، حتى سكن الساقية، وقابل هذا المخلوق الصغيرَ، المسكين، الذي ينظر إلى الطاسة الحمراء، يُخرج لسانه مستسلمًا. يلعقها ثلاث مرات، على مرأى من الحشد الصامت. لم يتألم البرص، لم يبكِ، أخرج لسانه الوردي للحشد مرة ثانية، وقرَّبه من الدرويش الذي هلَّل ورقص، وتركه يذهب لحال سبيله. لكنه نظر إلى سلطان نظرة أخيرة، واتجه إلى ألسنة النار وقفز فيها. 






الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

قصة الإبريق، من مجموعة "ست زوايا للصلاة" الحاصلة على منحة آفاق للكتابات الإبداعية والنقدية، منشورة في جريدة أخبار الأدب المصرية


الإبْريق



اليوم هو سبت البِشارة؛ فوق أسطح البيوت الطينية ملاءات بيضاء، تنشرها النساء فوق واجهات البيوت، وعليها بقعة كبيرة، فعلها الرجال بالليل. كل امرأة تتفاخر برَجُلِها تحت عين الشمس، وأمام أعين الجيران. تدق الأهوان سبع دقات بالعدد. تُملأ الأباريق بماء الورد، وتوضع على صينية نحاسية في المنادر وقاعات النوم. تبخّر البيوت باللبان الدكر، استعدادا لمجيء "أم قويق"، ستعدل الميزان. كل النساء في انتظارها.
عندما تتجلى، يحرّم الجدل على الرجال وتتكلم النساء، يرتدين الجلاليب والعباءات الصوفية، ولا يرتدين حمالات الصدر. يرأسن مجالس الرقص والغناء، يطبخن الكوارع ويخبزن الفطير المشلتت. لا تضاجع امرأة رجُلَها. لا يقربها ولا يشم ريحها. يشرب الرجال الماء الوفير، من الإبريق، كل ليلة، ولسوء حظ نجية لم تجد بشارتها؛ صحت من النوم تتحسس السرير الجاف، وتنخس رجلها حَرْبي بقوة، عرف أن هناك مصيبة حطّت على رأسه، أدركها مباشرة عندما قفز على الأرض ونظر إلى سريره، وبدأ يرجوها أن تستره، وألا تنشر الملاءة نظيفة، ونجّية امرأة مؤمنة، لا تخالف الطقوس ولا تتعدي على حرمتها، حاول أن يفعلها، اقترح على نجية أن تفعلها، لكنها انتزعت الملاءة، ونشرتها على سطوح البيت. خبأتها وراء ملاءة أبيه، ظنّت أن الأعين ستغفلها، وأن رجُلها قد ينجو. لم يستطع معارضتها، فالأسبوع أسبوعها، أما بقية الأيام فيملكها ويمسكها من لجامها. خرج غضبانَ، مشى في الشوارع لا يعرف إلى أين، والريح شديدة، تحمل أسرار الناس معها. على لسان جارته انتشر خبره، صار لبانة تلوكها أفواه النساء، أعين ترصده، أعين واسعة، تعدّ خطواته، أنفاسها في الهواء. أم قويق. الكل يعرفها، ولا يستطيع أن ينكرها أحدٌ. في الهواء رائحة تشبه الكمون، تفوح من الأشجار والنخيل، ومن أبراج الحمام والزرائب، كل شيء في القرية يعلن عن وجودها، حتى السماء أمطرت ورعدت، على رأس حربي، فقرر العودة إلى البيت مختبئًا أسفل سعفة نخل، آمنًا من المطر ومذعورًا من الطقس: سعف النخيل.. في أيدي الجميع، الصغار يتسلقون النخل، وكل فتاة تنتظر غصنها. موكب العجائز اتجه إلى شجرة الكافور العظيمة، جلست النساء حولها متشابكة الأيدي، ومكشوفة الرأس. أغمضن أعينهن، وبدأن في الغناء والتمايل حولها، صوت جميل يعلو فوق صوتهن، لأكبر امرأة في القرية، تجلس أمام الشجرة، تتمايل يمينًا ويسارًا، كطائر يعرف أسرار السماء، تطلق التسابيح والصلوات بصوتها الحلو، حتى أظلمت الشمس، وظهر القمر بدرا فوق شجرة الكافور. لمس نوره أعين النساء حولها، فأطلقن الزغاريد، ورفعن سعف النخيل الذي امتص الضوء، وأنار الطريق إلى المندرة الكبيرة. النساء والصبايا انتظرن الزغاريد، وقفن على أسطح البيوت حتى رأين السعاف المضيئة، ودقت الأهوان مع الطبول، وسبعة من النساء رقصن إلى المندرة.
الأصوات هزت رأس حربي، صوتٌ دافئ أمره بالمثول أمام شجرة الكافور العظيمة، لم يستطع تجاهل الأمر، وجد نفسه يشرب من الإبريق ثم يخرج من البيت، يتخبط في الحوائط ويتعثر في جرائد النخيل الملقاة في الشوارع، حتى رأى سعفة مضيئة، تتبعها نحو الشجرة، كاد يلمسها لولا يد العم التي امتدت، نهَرَه قائلًا "عليكِ أن تهرب، أيام وتنتهي الخرافة"، كشك مهجور في آخر القرية، هناك أخذه العم، وهناك سيعد حربي الأيام ويهرب من الظلال، وظلها على الحائط، أم قويق تريده، تنتظره، غيط القصب يصدر همسات، يتلفت حربي في كل مرة يحاول فيها التبول أمام الحائط المتهدم. يقف لمدة طويلة، ويشعر بسن موس حاد، فتنزل قطرة أو قطرتان بالكاد. يفترش على الدكة في انتظار الشمس، لكنها تظل على غيابها. ليلة بعد ليلة ولا أثر للضوء. يأتي العم برفقة بعض الرجال، كان عددهم اثنى عشر رجلًا، معهم العريس الجديد، سيدخل على ابنة العم في نهاية الأسبوع، ولابد من دم ليطرد الشر بعيدًا.
جلسوا بالقرب من الكوخ والجوزة في يدهم، تنتقل من رجل إلى آخر. يصطفون على جذع نخلة ملقًي بالعرض، وحربي في منتصفهم. يأخذ الجوزة ويشد الدخان. لا يسعل، لا يبدي فَزَعًا، لكنهم يعلمون ما في صدره. مسكين لا يقدر على التبول، مريض، وليس على المريض حرج في وقت غير الآن. يقول أحدهم مهونًا "لا تصدق حكاية أم قويق، إنها خرافة، ندع نساءنا تفرح وترقص، فينسين وجودنا قليلا". رغم ذلك يفتخر كل رجلٍ بالبقعة الكبيرة التي تركها على الملاءة البيضاء، يقول العم "ابنتي، رفعت ملاءتي دون أن تتقزز، علقتها عاليًا"، حلقت الحمامات فوق الملاءة، في السماء، وسبحت باسم الله، لم تسبح باسم أم قويق. قال رجل "لأنها كذبة"، سنوات قديمة والقرية تداوم على هذا الفعل، لم يشهد أحدٌ تجليها، سكن الكفر قلوبهم، لكن ألسنتهم ظلت على خرسها، لم يجرؤ رجل على الصراخ، حربي وحده من صاح "إذا كانت تريدني فلتأتِ إليّ، تعالي وخلصيني من آلامي"، بلورات صلبة صغيرة في مثانة الرجل، بلورات من ماس، أو ذهب، أو ملح، تريدها لنفسها، أم قويق, العم أخذ الجوزة وقال "لن تأتي إليك، لا تفزع، سنظل معك الليلة إلى نهايتها"، لكن الرجال، مع انطفاء الحجر، شعروا برغبة في النعاس، وأرادوا أن يهربوا بعيدًا عن ضوء القمر، الماسي. وحده العريس ظل مع حربي، وقال "لا تخف، سأقودك إلى كوخك ولن تأتي إليك"، لا تخرج أم قويق إلى رجُلَين، تخاف الأرقام الزوجية، وتحب ما هو مفرد. لا خوف عليهما الآن، فالله معهما. أسفل ضوء القمر، في منتصف الطريق، رغم أنفاسها الساخنة التي تفوح من كل مكان، ولا مكان أو زمان يتسع لها، قال العريس "سأنتظرك في عرسي، سنطلق النيران ونرقص بالعصيان معًا"، قبلة تركها العريس على خد حربي، وقال "سأباركك، وأنتظرك لتباركني"، لم يطل الطريق بعد هذه القبلة، وصل كل منهما إلى مراده.
عاد العريس وحده من الطريق، يدندن لحنًا قديمًا. لم يشهد أحدٌ حربي. لم تنتظره نجية في العرس، رقصت مع النساء، والأعيرة النارية في الهواء، الرجال يضربون بعضهم بالعصيان، والعم يجلس فخورًا بما فعل، عذراء هي الابنة، والليلة ليلتها. ملاءات بيضاء نشرتها النساء فوق البيوت، واليوم يرتفع المنديل بالبقعة الحمراء.








الأحد، 27 يناير 2019

أفضل الإصدارات الأجنبية لعام 2018 وفقًا لصحيفة واشنطن بوست






أفضل الإصدارات الأجنبية لعام 2018 وفقًا لصحيفة واشنطن بوست








Good and Mad
The Revolutionary Power of Women's Anger
By Rebecca Traister














تصدر كتاب Good and Mad قائمة أفضل الكتب الصادرة في الواشنطن بوست، وقائمة صحيفة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا لعام 2018، من تأليف الكاتبة الأمريكية ريبيكا تريستر. والتي تقدم بين صفحات هذا الكتاب تاريخ الغضب النسائي وأهميته الثقافية، وتاريخ طويل من الاستياء الذى واجه ارتقاء المرأة إلى السلطة السياسية في أمريكا، بالإضافة إلى الطرق التي يتم بها تلقي هذا الغضب مقارنة بغضب الرجال وثوراتهم. وتسلط المؤلفة الضوء على ذلك الغضب باعتباره وقود سياسي، بالإضافة إلى علاقة رسم الكاريكاتور بنزع الشرعية عن الغضب الأنثوي، وفي ذلك كشف للمعيار المزدوج في المجتمع تجاه المرأة، وتأثيره الكارثي. وتؤمن المؤلفة بقدرة الغضب الجماعي للمرأة عند توظيفه على تغيير التاريخ.





ومن الجدير بالذكر أن ريبيكا تريستر مؤلفة أمريكية من مواليد 1975، كاتبة في مجلة نيويورك، ومحررة في مجلة "إل" الفرنسية، وهي من أكبر المجلات التي تهتم بالموضة في العالم. تم الإشارة إلى كتابها الأول Big Girls Don’t Cry للحصول على New York Times Notable Book لعام 2010، وجائزة Ernesta Drinker Ballard Book لعام 2012، وحصل كتابها الثاني All the Single Ladies على New York Times Notable Book لعام 2016، وصنفته مجلة BOSTON GLOBE كأفضل كتاب صدر في نفس العام.

*** 


The Library Book
By Susan Orlean







وصفت صحيفة واشنطن بوست هذا الكتاب بأنه كنز وطني، ومن الكتب التي يجب قراءتها لعشاق القراءة والكتب. ويدور الكتاب حول حريق مكتبة لوس أنجلوس العامة، في صباح التاسع والعشرين من أبريل عام 1986، ويصف الحريق الكارثي الذى استمر لأكثر من سبع ساعات، اندلعت ناره التي وصلت إلى ألفين درجة مئوية وأكلت حوالي أربعمائة ألف كتاب، وألحقت الضرر بحوالي سبعمائة ألف. وتسلط المؤلفة سوزان أورلين الضوء على غموض الحادثة، هل كان مجرد حادثة كارثية أم أنها جريمة ارتكبها شخص معين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن يكون هذا الشخص؟ 

يقوم الكتاب أيضا بعرض مجموعة من الشخصيات التي لا تنسى في مجال المكتبات العامة، بداية من ماري فوي، أول امرأة تشغل منصب رئيس مكتبة لوس أنجلوس العامة في عام 1880، في الثامنة عشرة من عمرها، مرورا بال دكتور سي.ج.ك. جونز الرجل الموسوعي، إلى تشارلز لوميس، الصحفي، المغامر، الذي عمل على أن تكون المكتبة واحدة من أفضل المكتبات في العالم. 

سوزان أورلين هي كاتبة أمريكية، عملت ككاتبة في مجلة نيويوركر منذ عام 1992، بالإضافة إلى العديد من المجلات مثل Vogue و Rolling Stone و Esquire و Outside. لها سبعة كتب منها، منها كتاب The Orchid Thief, الشهير الذي تم تحويله إلى فيلم بعنوان Adaptation، وحاز على عدة جوائز هامة. 

*** 

The Line Becomes a River
Dispatches from the Border
By Francisco Cantú 




يقدم فرانسيسكو كانتي سيرته الذاتية عندما عمل شرطي حدود، لأربع سنوات في أريزونا ونيو ميكسكو وتكساس في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، ولحظة معارضة والدته لهذا القرار، عندما أخبرته أن هناك مائة طريقة أخرى لفهم الحدود، وليس الحل هو انضمامه لبيروقراطية شبه عسكرية، لكن كانتي أراد التجربة بشدة، رغم الصحراء، ورغم قربه من الموت. 

يسلط كانتي الضوء على المسكوت عنه على الحدود، يرصد الأسرار والانتهاكات التي تحدث للمهاجرين، والحياة الأخرى هناك، ويسرد تجربته الخاصة، أو كابوسه، والكثير من القصص حول مروجي الحدود والقتلة، وضحايا الحدود العجزة، أو المساكين.
من الجدير بالذكر أن الكتاب قد لاقى استحسان الكثير من القراء والكتاب على حد سواء، فقد أشادوا بالمنظور الإنساني والذكي الذي سرد كانتي أحداث الكتاب من خلاله، منهم الكاتب الأمريكي باري لوبيز، الذي وضح أن هذا الكتاب يجب أن يؤذي أي شخص يفكر في بناء جدار قد يحسن من قوة بلاده. 

*** 


The Maze at Windermere
By Gregory Blake Smith 




بالرغم أن أحداث هذه الرواية تدور في مدينة ساحلية صغيرة "نيوبورت"، إلا أن غريغوري بليك سميث سرد أحداثها عبر عصور مختلفة، على مدى ثلاثة قرون، دون أن يفقد خيوط السرد في هذه الفترات الزمنية الكبيرة، ومع التنقل بين خمس قصص متنوعة؛ رصد مفاهيم مثقلة بالدلالات التاريخية مثل العبودية وصراع الطبقات والمثلية، واستطاع أن يمسك بالأبطال، وأن يتنقل بهم، وبالقارئ، بسلاسة فائقة، لرصد أثر هذه العصور على حياة الأبطال الذين يعيشون داخل صفحات هذه الرواية؛ مع الحفاظ على التشويق، القائم على سرد خفيف الظل، لم يفتقد إلى العمق رغم ذلك. 

غريغوري بليك سميث هو قاص وروائي أمريكي، من مواليد عام 1951، فاز بالعديد من الجوائز الأدبية منها جائزة جونيبر وجائزة مينيسوتا للكتاب. 

*** 


On Desperate Ground
The Marines at The Reservoir, the Korean War's Greatest Battle
By Hampton Sides 





تستدعي هذه الرواية التفاصيل الدقيقة لمعركة تسوشين، أثناء الحرب الكورية عام 1950. حينما تجاهل الجنرال ماك آرثر تقارير المخابرات الأمريكية بوجود عشرات الآلاف من القوات الصينية في انتظارهم. وتجاهل تفوق العدو عليه من الناحية التكتيكية، ومنعه جنون العظمة من الاعتراف بالواقع، وقاد جنوده إلى الفخ الذي نصبه الصينيون على طول الشواطئ المتجمدة لخزان تشوسين. 

تقوم رواية هامبتون سايدز على جهد كبير في البحث وتتبع الأبحاث الأرشيفية والرسائل غير المنشورة، والوثائق التي رفعت عنها السرية، وكذلك العديد من المقابلات التي أجراها مع جنود المشاة البحرية وبعض الكوريين الذين نجوا من ذلك الحصار، ومن الجدير بالذكر أن النقاد أشادوا بالمجهود البحثي الكبير والتفاصيل الدقيقة التي رصدها الكاتب للجنود وقدرته على تصوير المعاناة الإنسانية واعدوه أحد أفضل الكتاب في جيله. 

هامبتون سايدز صحفي ومؤرخ أمريكي شهير، وهو صاحب العديد من الأعمال التي تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا، من فئة السرد التاريخي، والكتب الأدبية الواقعية، من مؤلفاته Americana, Hellhound on His Trail, Ghost Soldiers, Blood and Thunder 

***


One Person, No Vote
How Voter Suppression Is Destroying Our Democracy
By Carol Anderson 




تستكمل كارول أندرسون تاريخ السياسات التي واجهت أصحاب البشرة السوداء، وأعاقتهم عن ممارسة حقهم في المشاركة في الحياة السياسية في أمريكا، منذ عام 1865 إلى وقتنا الحالي. في هذا الكتاب، ترصد الكاتبة ظاهرة تراجع الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية في التصويت بعد حكم شليبي، الذي قضت فيه المحكمة العليا لعام 2013 بإسقاط حق التصويت لعام 1965. وتتتبع أندرسون قصة التمييز العنصري وممارسة قمع الناخبين، وتكشف أدق تفاصيله، ابتداء من قوانين هوية الناخبين، وإجراء عمليات الغش، وإغلاق مراكز الاقتراع، ثم تستعرض طرق المقاومة والمعارك القضائية لاستعادة الحق الأساسي في التصويت لكل الأمريكيين. 

من الجدير بالذكر أن الكتاب كان من ضمن القائمة الطويلة لجائزة National Book Award، وضمن خمسين كتابا يجب قراءتهم عن السياسة الأمريكية على BookRiot، وأفضل كتاب صدر هذا العام في مكتبة نيويورك العامة، والإذاعة الوطنية العامة. وضمن قائمة أفضل 25 كتاب حسب مجلة Bustle الأمريكية. 

*** 


The Overstory
By Richard Powers 





يقول مايكل أوبشورش إن هذه الرواية تقنعك من أول صفحة بأنك تسمع أصوات الأشجار كما لو كنا مثلها. وصنفها بعض النقاد أنها أحد أفضل الأعمال التي تتناول كينونة الأشجار وعلاقتها بالأشخاص الذين يتواصلون معها. إذ أنها تكشف الصراع الأساسي على هذا الكوكب، بين البشر وغير البشر، وتشكل عالما فريدا، شاسعا، مبتكرا، بأسلوب رشيق وممتع. 

كان هذا العمل ضمن القائمة القصيرة لقائمة المان بوكر لهذا العام، كما أنه صنف من أفضل الروايات الصادرة عام 2018 من قبل مجلة تايم، أوبرا، نيوزويك، شيكاغو تريبيون و كركوس. 

ريتشارد باورز هو روائي أمريكي من مواليد 1957م، وتعد هذه الرواية هي الثانية عشرة للكاتب الحائز العديد من الجوائز مثل جائزة : National Book Award 

*** 

A Place For Us
By Fatima Farheen Mirza 





تقوم رواية ميرزا الأولى على عائلة هندية أمريكية مسلمة من خمس أفراد، يعود إليها عمار، الابن المنشق عنها، والذي جاهد للوصول إلى مكانة اجتماعية عالية، ومن خلال بعثرة خيوط الرواية، بين الماضي والحاضر، مثل لعبة بازل، تجعل القارئ مشاركًا في ربط الأحداث بعضها ببعض حتى تكتمل الصورة.
هذه الرواية لا تقوم على محاولة تعزيز فهم المسلمين داخل الغرب، قدر ما حاولت المؤلفة تسليط الضوء على المشاعر الإنسانية بشكل عام، ويمكن القول أن الأبطال صادف أن يكونوا مسلمين، لكنها رواية عن الأخوة والأخوات؛ مفعمة بالأمل والحب والهوية والانتماء، وهي تعزز الروابط الاجتماعية. فاطمة ميرزا، كاتبة تبلغ من العمر 27 عامًا، ولدت وعاشت في ولاية كاليفورنيا. تعد هذه هي روايتها الأولى، ووصفت بأنها عمل استثنائي وتنبؤا لها بمستقبل كبير في عالم الكتابة الأدبية.

*** 

There There
By Tommy Orange 




تقوم هذه الرواية على حكايات متباينة من سكان أمريكا الأصليين، في العصر الحديث، وبالتحديد في أوكلاند بكاليفورنيا، لتتناول بذلك قضية شائكة جدًا في المجتمع الأمريكي، وهي قضية الهوية، بين العار والاعتزاز، تلتقي الشخصيات في ساحة أوكلاند كولسيوم، وفي صدورها نوايا سيئة، ونوايا شريرة، حتى يبدو للقارئ أنه لا توجد أمريكا واحدة، بل في الواقع توجد أكثر من أمريكا، في ذهن كل شخص، وتختلف صورتها عن الآخر. هنا داخل العمل، صورة عجيبة لأمريكا المحطمة، لم يشاهدها العديد من الناس؛ فلا أرض للأحلام بل دمار شامل، ويمكن وصف الصوت السردي بالصوت الغاضب، المنفجر، والذي يطرق هذه الصفحة الشائكة، بإصرار، لتكشف عن تاريخ معقد ومؤلم، وجميل، رغم ذلك، وروحاني. 

من أجل ذلك وصفت نيويورك تايمز الكاتب بأنه رائد عظيم، ومن المتوقع لهذه الرواية أن تعيش لأجيال عديدة، وتكون من الكلاسيكيات العظيمة. ومن الجدير بالذكر أن الكاتب تومي أورانج يبلغ من العمر 36 عامًا، تخرج من كلية الفنون الأمريكية الهندية، وهو ذو أصول أمريكية أصيلة ترجع إلى قبائل أوكلاهوما، وقد وصفت هذه الرواية التي كتبها بأنها ملحمة أمريكية من نوع جديد، تتنصر للأصالة وللتراث أمام طوفان الحداثة .

***

Washington Black
By Esi Edugyan




طفل في الحادية عشرة يدعى واشنطن، يمر بتجارب مفزعة، ويسأل عن معنى أن يكون الإنسان حرًا؟ في إطار هذا السؤال توصف الرواية أهوال النظام القديم وقصص القتل والقسوة التي مر بها الإنسان، وترد المشرفة على سؤال الطفل قائلة أن الموت هو المخرج الوحيد، وهو جزء من إيمانها القديم المتجذر في أرضي أفريقيا، حيث النهر المرتفع، والموتى يبعثون بكامل أعضاء أجسادهم ليتمكنوا من المشي بحرية مرة أخرى. 

الرواية ترصد وحشية العبودية التي يمر بها الطفل، بعد اختياره ليكون خادمًا في مزرعة، ورغم هذه التجربة البشعة فإن الطفل رسام موهوب، وتبدأ العلاقة المركبة بين السيد صاحب المزرعة والعبد، وتختلف نظرة كل منهما للآخر، ويبدآن مغامرة طويلة معًا. 

في الرواية بحث عن معنى الوطن، إلى جانب الحرية، ورصد لعجائب هذا العالم من خلال المغامرة التي سيعيشها الطفل الصغير، وفي هذه الرحلة سيعرف الطفل الصغير المعنى الحقيقي للحرية؛ وربما يقع معناها في التخلص من الخوف من زمن العبودية. 

الكاتبة الكندية الغينية، أسي أدوجيان، كان والداها مهاجرين من غانا، درست الأدب في جامعة فيكتوريا. سبق لها أن ترشح كتابها "سوداوية نصف الدم" لجائزة مان بوكر، كما كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة هيرستون، وتعد من الأسماء البارزة في الأدب. 

****** 




قصة "البرص"، من مجموعة "ست زوايا للصلاة"، الفائزة بمنحة آفاق للكتابة الإبداعية والنقدية، منشورة في مجلة الهلال.

البُرْص هناك، حيث يسكن سلطان، مفترق طرق. وساقية مهجورة يعيش في بطنها، مع الجرذان والأفاعي، وجنيّة تدلِّك ظَهرَه كل مساء. ...